تخفيضات تاريخية تنعش سوق السيارات المصرية في 2025

شهد سوق السيارات المصري تحولات جذرية في الربع الأول من عام 2025، حيث انطلقت موجة من التخفيضات السعرية غير المسبوقة. تهاوت أسعار 28 موديلًا ينتمون إلى 16 علامة تجارية مرموقة، مسجلة انخفاضات قياسية وصلت إلى 15%.
وفقًا لبيانات «الشرق بلومبيرغ»، تراوحت قيمة التخفيضات بين 30 ألفًا و240 ألف جنيه مصري، مما بث روح الأمل في السوق المتعطش للانتعاش بعد فترة ركود عصيبة وصفتها الشركات بأنها «الأسوأ في تاريخها». كانت هذه الخطوة بمثابة طوق النجاة لسوق السيارات الذي عانى طويلًا.
وجاءت هذه التخفيضات الجريئة في أعقاب قرار الحكومة المصرية بالسماح مجددًا باستيراد السيارات في شهر فبراير من عام 2025، وذلك بعد توقف دام عدة أشهر بسبب تعطل نظام التسجيل المسبق للشحنات (ACI). هذا القرار أعاد الحياة إلى شرايين التجارة.
لقد عانت سوق السيارات المصرية من تحديات جسيمة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، لتصل إلى 5 أضعاف قيمتها الأصلية، وذلك نتيجة لنقص حاد في المعروض، وتوقف شبه كامل للاستيراد، والارتفاع المطرد في الرسوم الجمركية. هذه العوامل مجتمعة أثقلت كاهل المستهلك وأدت إلى عزوف كبير عن الشراء.
وتفاقمت الأزمة بشكل ملحوظ في شهر مايو من عام 2024، عندما توقف العمل ببند تسجيل السيارات على منظومة ACI، مما أسفر عن احتجاز آلاف السيارات في الموانئ المصرية، وتكبيد الشركات خسائر فادحة. هذا الأمر زاد الطين بلة وعمق جراح السوق.
كما ساهمت الفائدة البنكية المرتفعة، التي وصلت إلى 28%، في تثبيط الطلب على السيارات، حيث أحجم المستهلكون عن الشراء بسبب التكاليف الباهظة للقروض والتمويل. هذا الحاجز المالي أبعد الكثيرين عن تحقيق حلم امتلاك سيارة.
وفي شهر فبراير من عام 2025، اتخذت السلطات المصرية قرارًا حاسمًا باستئناف الاستيراد والإفراج عن السيارات المحتجزة في الموانئ، مما أتاح للشركات فرصة استعادة المخزون وتخفيف الضغط الهائل على الأسعار. هذه الخطوة أنعشت السوق وأعادت التوازن.
وفي سياق متصل، لعب قرار البنك المركزي المصري، بخفض أسعار الفائدة إلى 25% و26% للإيداع والإقراض على التوالي، دورًا محوريًا في تحفيز السوق وتشجيع الطلب. هذا القرار الجريء شجع المستهلكين على الإقبال على الشراء.
وقد أدت التخفيضات الكبيرة في الأسعار إلى انتعاش ملحوظ في حركة المبيعات، حيث ارتفعت بنسبة 51.3% خلال شهري يناير وفبراير من عام 2025، لتصل إلى 20.6 ألف سيارة، وذلك وفقًا لتقرير مجلس معلومات سوق السيارات (أميك). هذه الأرقام تعكس مدى استجابة السوق لهذه التغييرات الإيجابية.
وأرجع نائب رئيس مجموعة قصراوي للسيارات، مصطفى حسين، هذا الانتعاش الملحوظ إلى الإستراتيجيات الذكية التي اتبعتها الشركات لجذب العملاء بعد فترة طويلة من العزوف عن الشراء والتردد. هذه الإستراتيجيات كان لها مفعول السحر في إعادة الثقة إلى المستهلكين.
وأضاف أن الشركات المصنعة بدأت في زيادة الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات المتذبذبة، مما يسهم بشكل كبير في خفض التكاليف واستقرار الأسعار على المدى الطويل. هذا التوجه نحو التصنيع المحلي يعزز من قوة السوق ويحميه من تقلبات العملة.
من جانبه، أشار رئيس مجموعة الأمل لتصنيع السيارات، عمرو سليمان، إلى أن عودة الاستيراد قد أعادت المنافسة الشرسة بين الوكلاء، مما دفع الشركات إلى تقديم عروض ترويجية مغرية وخصومات مباشرة لتحفيز الطلب المتزايد. هذه المنافسة تصب في مصلحة المستهلك في نهاية المطاف.
فيما أوضح رئيس إكستريم أوتو للسيارات، محمد مصطفى، أن التخفيضات الهائلة تهدف في الأساس إلى تصحيح التشوهات السعرية التحوطية الناتجة عن توقعات الشركات بارتفاع سعر الدولار أو حدوث اضطرابات في حركة الشحن العالمية. هذه الخطوة تعكس حرص الشركات على استقرار السوق وحماية المستهلك.
وعلى الرغم من الانتعاش الحالي، استبعد عضو شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، علاء السبع، حدوث تخفيضات إضافية كبيرة في الوقت الحالي، وأوضح أن انخفاضًا طفيفًا في سعر صرف الدولار (3 - 4%) لن يكون كافيًا لخفض الأسعار بشكل ملحوظ، مشيرًا إلى أن بعض الطرز قد تشهد ارتفاعات طفيفة مدفوعة بالطلب المتزايد، خصوصًا في الفئة السعرية التي تتراوح بين 600 ألف ومليون جنيه. هذه التصريحات تلقي الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه السوق.
كما أكد مسؤول رفيع المستوى بشركة سيارات صينية أن الشركات تراجع أسعارها بشكل دوري، أسبوعيًا، بناء على عوامل متغيرة مثل سعر الدولار وتكاليف الشحن، لكنه أشار إلى أن التخفيضات الحالية قد تكون محدودة لبعض الطرز. هذه المرونة في التسعير تعكس التكيف المستمر مع الظروف الاقتصادية المتغيرة.
ويتوقع المحللون المتخصصون أن يستمر الانتعاش الملحوظ في السوق خلال النصف الثاني من عام 2025، بشرط استقرار سعر الصرف وزيادة حجم الإنتاج المحلي. هذه التوقعات المتفائلة تعتمد على عوامل اقتصادية أساسية لتحقيق الاستدامة والنمو في قطاع السيارات.
